ان نمو القيم الوجدانية في نفوسنا من خلال التربية والحرص على الانتماء للآخرين والعيش بسلام ومحبة مع التوجيه الروحي في الانتماء لقيم السماء التي أوصت بضرورة تبادل المحبة بين البشر، وحين تكون العلاقة بين الانسان وأخيه الانسان تغرف من ينبوع الحب، فان مفهوم الكراهية يندثر، ويبقى شيء من أثر.
ان العلاقة التي تخلق لنا وجودا في الحلقة الاجتماعية، هي معيار تطور في تفكيرنا، ومؤشر لأهمية ما نأتي به من ممارسات يومية تجعل حضورنا ذو أهمية في التأثير والتأثر في الآخرين، وليس كل ما نملكه من خزين معرفي هو آخر العلوم.
فإننا لا زلنا نحتاج بعضنا في التفكير عن إيجاد حل لمشكلة الانسان في علاقته مع الآخرين وكيفية انضاج تلك العلاقة الى مستوى راق يؤشر مدى التطور المعرفي في خدمة الاهداف الاجتماعية على مستوى الأسرة وعلى مستوى العلاقات الاجتماعية مع أبناء المجتمع.
ويشذ عن هذه القاعدة في أهمية الحفاظ على علاقتنا مع الآخرين بمستوى ما نرغب، هم تلك الفئة المريضة التي تشعر انها تفوقت على الآخرين بخزين المعرفة التي تغترف منه، فتصبح بين ليلة وضحاها، أسيرة الفتاوى في كيفية نقل ما تعرف على انه آخر المعارف والعلوم. والانسان ميال الى أن يعمم، ويجعل معيار علاقته مع الآخرين مدى تطابق وجهات نظرهم مع وجهات نظره، وينسى ان رأيه هو واحد من ملايين الآراء التي تولد كل لحظة ولاسيما تلك التي لها علاقة بالحياة بشكل عام، والأحداث بشكل خاص.
والانسان السوي هو الذي يعرف كيف تنضج الامور في ذهن الآخرين، وكيفية التداخل المعرفي من اجل ان تقل مساحة الهوّة بين ما نملك وما نفكر به، وبين ما يملك الآخرون ويفكرون به، وكلنا نبحث عن سعادة اللقاء والتواصل الاجتماعي.
والميت هو الفقير اجتماعيا ولا يلتقي مع الآخرين على أساس البكاء على الاطلال، لا يعرف إلا صفحة كتابه الذي اصفرّت أوراقه.
وهذه دعوة للنظر في المرآة ومعرفة ملامح وجوهنا حيث نرى كم هي جميلة الابتسامة إذا ما قورنت بالتجهم واللؤم والحسد واثرها في ملامح الوجه.
ماذا تعني كلمة الكراهيه وكيفية علاجها
ان الكره شعور نفسي سلبي يجعل الفرد الذي يحمله غير محبوب، وتبدأ أشعة ما لانراها وانما نحسها فعندما نحمل هذه الصفة نشعر بالضيق والكآبة والتعب ويبدأ الشعور بالكره هذا بالسيطرة على الفرد وكـأنه خلية سرطان سرعان ما تتوسع وتنتشر في نفس الفرد حيث انها تبدأ صغيرة ولكنها تكبر يوما عن يوم الى ان تأكل صاحبها.
ان صور الكره كثيرة تبدأ من جانب واحد ولكنها تأخذ صفة الشمولية فمنها الكره الشخصي ومنها الكره الديني وغيرها.
لذا نرى ان جميع الاديان السماويه قد نادت باقتلاع جذور الكره واستبدالها بشعور المحبة التي هي بلسم في شفاء كل الامراض.
انني ارى والحزن يأخذني بأن بعض من مواقفنا اليومية هي عبارة عن حقد وغيرة وكره فلماذا لا نبدأ بمحاربة هذه الظاهرة، نبدأ بالاطفال فعندما نرى طفل يقول انا اكره هذا النوع من الطعام فواجبنا ان نقول له لا تقل ذلك ولكن قل أنا لا اريد هذا النوع اليوم، ربما غدا، او عندما يقول انا لا أحب هذا الشخص لانه ضربني، فنقول له لا تقل ذلك فان هذا الشخص ضربك لانك اخطأت ولكن سيحبك عندما لا تخطئ.
ما اردت قوله ان نبدأ بالصغار بالغاء كلمة الكره ونعوّده ان يحب.
وان نعلمهم الصفح والغفران وعدم الانتقام ولكن اذا قلنا بأن كل انسان تمتلكه لحظات ضعف في تصرفاته فهل نجد مكانا للتسامح والنسيان في نفوسنا واننا بوعينا سوف نقوم بمطاردة هذه الافكار السيئة.
فهل من الممكن ان نفتح في انفسنا مكان صغير للحب والتسامح كي يطهرنا من الكره والحقد
(الهي اعنّي وبارك صلاتي...وبالعفو طهر قلوب عبادك).
ويأخذ الكره صور مجتمعية متعددة تتراوح بين افراد المجتمع الجاهل وصولا الى تكونها على نطاق واسع من خلال السلطات المستبدة في اصقاع الارض من خلال الظلم والديكتاتورية.
فحينما تمارس السلطة المستبدة العنف المفرط ضد السكان المسالمين غير القادرين على مواجهة العنف بالعنف المضاد، يحتقن ذاتهم بالحقد والكراهية بانتظار الفسحة المناسبة لتفريغها على شكل عنف مضاد للقصاص من أزلام سلطة الاستبداد.
ويتوقف حجم العنف المضاد على حجم الحقد والكراهية الكامنة في وجدان الإنسان المقهور، فكلما كان القهر والاستبداد كبيراً كلما تضاعف حجم الحقد والكراهية وأخذ أشكال متنوعة من الانتقام يصعب السيطرة عليها لأجل تفريغ شحنات الحقد والكراهية اللتان تثقلان وجدانه.
ويأخذ الانتقام شكله العشوائي، لينال من كامل جسد السلطة المستبدة (أزلام، وممتلكات، ومؤيدين...) دون تحديد المسؤولية عن حالات العنف المفرط للسلطة المستبدة ضد السكان.
وتعتبر اخطر انواع الكراهية، تلك الكراهية المغلفة بالصمت والمتوائمة مع سلطة الاستبداد بانتظار الفسحة المناسبة للانتقام والتشفي.
تعمل السلطة المستبدة على اجتثاث كافة أنواع الكراهية والحقد المعلن ضدها من خلال إجراء سلسلة من التصفيات الجسدية للمناوئين، لكنها غير قادرة على اكتشاف الكراهية والحقد الكامن (الساكن) الذي سرعان ما ينفجر كالبركان ليدمر كل شيء ومن المستحيل السيطرة عليه.
يرى"جورج آليوت" أن الكراهية الأشد قسوة، هي تلك التي تمد جذورها في الخوف ذاته وتتكيف عبر الصمت، وتحول شعور العنف إلى نوع من شعور الرغبة في الانتقام بشكل يشبه طقوس الثأر الخفية وما تؤجج من غضب الانسان المضطهد.
ان الكراهية والحقد الكامنين، يحتاجان الى نوع من انواع التمرين النفسي المستمر لحجب آثارهما الظاهرة على سمات وجه الانسان المقهور.
كذلك تصرفاته وسلوكه غير الارادي خاصة حينما تعمد سلطة الاستبداد لاستفزاز مشاعر الشعب المقهور بدرجة كبيرة من أجل رصد أوجه الكراهية والحقد الكامنين في ذاته، ومن ثم العمل على تصفيتهم للتخلص من الأعداء المفترضين والمهددين لمستقبل السلطة المستبدة.
إن ما يرعب سلطة الاستبداد بشكل كبير هو حالة الكراهية والحقد الكامن، وما تعبر عنه عيون الناس المقهورين، لأنها تعي عدم صدق نواياهم وادعاءاتهم بالولاء لها، وإنهم يتحينون الفسحة المناسبة للانقضاض عليها.
وبنفس الوقت هي غير قادرة على توجيه ضربات استباقية ضد الجميع دون مؤشرات لردود فعل (مباشرة أو غير مباشرة) ضدها.
لذا تعمل اجهزتها على رصد افعال الناس بدقة وتمارس معهم نفس لعبة لبس الأقنعة، فهي من جهة تُظهر لهم قناعتها (الكاذبة) بولائهم لها، ومن جهة أخرى تضعهم تحت الرقابة المشددة تحسباً لأي طارئ، وكلاهما (السلطة والمعارضة) يترقبان بحالة من اليقظة والحذر لإيقاع أحدهم بالآخر.
ويعبر"توماس فريدمان"عن الحقد الكامن في عيون الشعب المقهور قائلاً: يظهر في عيونهم الحقد الدفين، يعبرون من خلاله عن كل الأشياء التي لا يستطيعون قولها جهراً، وعن كل الأشياء وما يحسون بها في داخلهم، يضعونها في أعينهم على شكل نظرات ثاقبة تنم عن حقد دفين.
إن حالة الكراهية والحقد الكامنين في ذات الإنسان المقهور تحتاج إلى ممارسة نوع من الطقوس الخاصة لتدريب الكينونة على تقمص دورين في آن واحد، دور يكمن في الذات ويحمل من الكراهية والحقد ما يفوق الطاقة التدميرية للبركان المتفجر ضد السلطة المستبدة، ودور اخر ظاهري يحابي السلطة المستبدة ويظهر ولاءه لها وبأشكال متنوعة إتقاءً لشرها وطغيانها.
وتلك الطقوس تمنح الإنسان المقهور حالة من التقمص للشخصية المطلوبة في الوقت المناسب، والسيطرة على الشخصية الاخرى الكامنة في الذات لأنها الذات الحقيقة المختفية وراء قناع الشخصية الموالية لسلطة الاستبداد.
وكلما مارست الشخصية الموالية لسلطة الاستبداد دورها بشكل مقنع ومتقن، كلما شكلت جدار حماية لشخصية الذات الحقيقة المنتظرة لدورها في الانتقام من سلطة الاستبداد.
وفقدان السيطرة على تقمص الأدوار في ظل أنظمة الاستبداد، يعني بكل بساطة الإيقاع بالشخصية الخفية وما تبحث عنها سلطة الاستبداد لتعمد على تصفيتها لتقلل من أعداءها الكامنين لها بانتظار الفسحة المناسبة!.
ويعتقد"ميلان كونديرا" أن الانسان كائن يسعى للوصول إلى نوع من التوازن النفسي، لذلك يُوازن بين ثقل السوء وما يرهق كاهله والحقد الذي يحمله.
ان أحدى الأسباب الرئيسية لانهيار سلطة الاستبداد، هو اعتقادها الخاطئ بأن حالة الإذعان والخنوع لشعوبها المقهورة تعني تعطيل كافة سُبل المقاومة وإصابة تفكيرهم بالشلل التام!.
ويزرع الإذعان والخنوع في وجدان الشعوب المقهورة ألوف من بذور الكراهية والحقد الكامنين، اللذان يتحينان الفسحة للتعبير عمًّا يكمن في ذاتهم.
وما حالات الانتقام العشوائي من أزلام سلطة الاستبداد في نظام صدام حسين البائد التي ظهرت فور انهيار سلطتهم إلا تعبيراً عن تلك الحالة من الصمت المفتعل والبركان الذي بقي ساكنا مدة طويلة.
منقول للامانة